هذا علم شرعي شريف، إذا نظرنا إليه من حيث سعته وشهرته كان أوسع العلوم الشريعة مجالاً، وأكثرها شهرة وانتشاراً. إنه علم الفقه.. وكفى به علماً أساسياً مهما.
تعريف علم الفقه:
وإذا بحثنا عن تعريف دقيق لعلم الفقه نجد أن ثمة له تعاريف كثيرة، منها القديم الذي يدخل مع الفقه غيره، وذلك قبل تمايز العلوم الشرعية واستقلالها عن بعضها البعض، ومنها ما هو من اختيار الفقهاء اللاحقين للأولين.
عرف الإمام الشافعي الفقه بأنه: العلم بالأحكام الشريعة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية.
وعرفه ابن خلدون في مقدمته بقوله: الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهة، وهي منتقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشرع لمعرفتها من الأدلة.
وإذن فالفقه هو الطريق لمعرفة الحلال لاتباعه والعمل به، والحرام لتجنبه والحذر منه، وذلك ابتغاء مرضاة الله فيكون بذلك العلم العملي الذي يحتاجه كل مسلم ومسلمة في كل فعل وترك في حياتهما.
شمول الأحكام الفقهية:
وبنظرة فاحصة نستطيع أن نلم بشمولية الفقه الإسلامي، من حيث إنه ينظم علاقة الفرد بربه سبحانه، وعلاقته بمجتمعه، ويسعى لتأمين مصالح الأمة ودفع المضار عنها بكل يسر وسهولة وواقعية وإنسانية. ويشهد لذلك كله أحكام الفقه الإسلامي التي تضم الأقسام التالية:
1) العبادات: وهي التي تبين للمسلم كيف يتعبد الله سبحانه ويؤدي حقه عليه على الوجه الذي ارتضاه له.
ومن أبحاثها: الطهارة الشاملة للوضوء والغسل والتيمم وأحكام المياه والأواني والنجاسات.
ومن أحكامها الصلاة وكيفيتها وأركانها وسننها ومكروهاتها ومبطلاتها، وما كان منها مفروضاً وما كان منها مسنونا،ً وما كان منها جماعة وما كان إفراداً.
ومن أبحاثها الصيام والزكاة والحج، وما يتعلق بكل منها من أركان ومستحبات ومحظورات ومكروهات.
ومن أبحاث العبادة أيضاً النذر واليمين، وكيفيةُ سؤال الله من فضله الغيث بصلاة الاستسقاء، وكيفية توديع الميت والدعاء له بصلاة الجنازة، وكيفيةُ استقبال الأعياد الشرعية وإظهار الفرحة بصلاة العيد. وبيانُ فضل الله على المسافر والمريض حيث خفف عنهما بعض العبادات وشرع لهما بعض الرخص الشرعية تيسيراً وتسهيلاً.
2) المعاملات المدنية: وهي ما يشمل البيع وأنواعه المباحة أو المحظورة، والإجارة وشروطها، والرهن الذي يستوثق به صاحب الحق لحقه، والكفالة بنوعيها المالي والبدني، والشركة ولها أنواع وضوابط، والمزارعة والمساقاة مما يتعلق بشئون الزراعة، وإحياء الأرض الموات لاستثمارها، وما يباحُ من الصرف واستبدال النقود، وتحريم الربا وأنواعه، والجعالةَ التي تكون تبرعاً من المالك لمن يجد له ماله، ونحو ذلك مما ينظم العلاقة بين الفرد والآخرين في معاملاته المدنية التي تعرف اليوم بالقانون المدني.
3) الأحوال الشخصية: التي من خلالها تتكون الأسرة.
وهذه الطائفة من أحكام الفقه الإسلامي تشمل أحكام الخطبة والزواج، وحقوق كل من الزوجين على الآخر، وأحكام النسب والنفقة والميراث، وتشمل أحكام الطلاق والخلع والعدة واللعان والظهار، وكل واحدة من هذه المسائل لها تفريعات عديدة مهمة.
4) الأحكام الجنائية: وهي تضم بين جنباتها الحدود الشرعية والعقوبات الزاجرة لكل من يتعرض لأرواح الناس أو أعراضهم أو أموالهم، أو يروع الآمنين، أو يريد الفساد في الأرض، أو يسعى في هدم الدين.
ومنها أحكام حد السرقة، وحد القصاص، وحد الزنا، وحد الخمر، وحد الردة، وأحكام التعزير، وأحكام الديات ونحو ذلك.
ويسميها الناس اليوم بقانون العقوبات.
5) الأحكام القضائية: وهي التي من خلالها يحكم القاضي في المنازعات، وبها تسير الدعاوى في المحاكم.
ومن أحكامها الفقهية: أحكام الشهادة، واليمين، والبينات والإقرار والقرائن، وآداب القاضي، ومتى يحكم ومتى لا يحكم.
وفي الحقيقة فإنها جزء أصيل من علم الفقه الإسلامي، ما زال المسلمون يفتخرون به على مر العصور لدقته ونزاهته.
6) الأحكام المتعلقة بالإمامة والخلافة وقيام الدولة المسلمة ، وطريقة المبايعة بين الشعب المسلم وحاكمه، وحقوق المواطن والحاكم وواجباتهما.
وهي ما تعرف بالأحكام الدستورية.
7) الأحكام الدولية : التي تنظم الصلة بين دولة المسلمين والدول الأخرى، وحقوق الرعايا غير المسلمين في بلاد المسلمين، وتنظيم حالتي السلم والحرب بين المسلمين والآخرين، وأحكام الجهاد المشروع لحماية الدين والدولة في الإسلام، وأحكام نشر الدعوة الإسلامية بين أهل الأرض ونحو ذلك.
هذه الأحكام الفقهية العظيمة الشاملة لم تنشأ من فراغ، ولم تتكون بلا جهد ودأب، بل إن العلماء المسلمين كان لهم في هذا المجال قصب السبق الذي حازوه عن جدارة واستحقاق.
منقول للإفادة